مقالات

دور الفلسفة فی تواصل البشر والمجتمعات والحضارات

آیة الله رمضانی  ۱۳۹۶/۱۲/۰۷
تحدث العالم الدینی والفلسفی " آیة الله رمضانی" خلال المؤتمر العلمی الدولی الرابع عشر حول دور الافکار الفلسفیة فی الحوار الثقافی الاسلامی عن دور الفلسفة فی تواصل البشر و المجتمعات والحضارات؟ وهل یمکن لهذا التواصل أن یتم بدون الفلسفة؟

 

 

آیة الله رمضانی:  فی الحقیقة٬ إنّنا بحاجة فعلاً إلى الفلسفة لکی نتواصل فیما بیننا٬ و ما من بدیل یحلّ محلّها. و بمقدورنا أن نزعم بأن لا تواصل سلیم بدون الفلسفة. و لکن کیف لنا أن نبرهن على هذا الزعم؟ للبرهنة على ذلک لا بدّ أولاً أن نضع ثلاث مقدمات أمام القارئ الکریم .

 

المقدمة الأولى٬ أن نعلم بأنّ الفلسفة بحث حر للوصول إلى الحق٬ بعیداً عن أیّ تحدید أو نزعة محدّدة سلفاً. فی الحقیقة٬ إنّ الفلسفة التی یعبّر عنها بالحکمة أیضاً٬ عبارة عن الاطلاع على الینبغیات و اللاینبغیات و الوجود و العدم فی شقّی الفلسفة النظری و العملی٬ أو الحکمة النظریة و الحکمة العملیة من قبل العقل النظری و العقل العملی.

 

فی الفلسفة یطرح السؤال بالاستناد إلى العقلانیة و التدبّر و التفکیر٬ و یأخذ البحث مجراه دون أن تتّضح مسبقاً أیّ إجابة أو نتیجة محدّدة٬ و هذا هو جوهر الفلسفة فی مقابل علم الکلام الذی یتّخذ أوّلاً و قبل کل شیء موقفاً معروفاً منحازاً إلى دین خاص أو عقیدة بعینها؛ بناءً علیه٬ و فی إطار التمییز بین الفلسفة و علم الکلام٬ فإنّ أحد الفوارق الرئیسیة بینهما یکمن فی أنّنا نعرف سلفاً ماذا یرید المتکلّم٬ بینما فی الفلسفة لا یتّضح ابتداءً أیّ اتجاه أو التزام أو نتیجة محدّدة٬ عدا أنّ الهدف هو بلوغ الحقیقة فقط لا غیر٬ و بالاتکاء إلى العقلانیة المحضة. لهذا تجد بعض الأشخاص الذین یعترضون على الفلسفة یقولون خطأً: الفلسفة تعنی اللادینیة أو عدم الالتزام بالدین.  و کذلک یقولون: الدین غیر مهم أبداً بالنسبة للفلاسفة٬ و لیس هو وجهتهم. و استناداً إلى هذا التصوّر الخاطئ تجدهم یرسمون خطاً أحمراً حول الفلسفة. بید أنّ واقع الأمر لیس کما یصوّره المنتقدون٬ بل إنّ موقف الفیلسوف فی البدایة إزاء أیّ دین هو لا بشرط و لیس بشرط لا. و عادةً فی خضم النقاش لا یتمّ التفریق٬ للأسف٬ بین هذین الأمرین فتختلط الأشیاء على البعض إذ یعتقد أنّ الفلسفة هی بشرط لا من الدین٬ بینما هی – فی البدایة فقط و لیس حتى النهایة- لا بشرط٬ و المسافة بین لا بشرط و بشرط لا کالمسافة بین السماء و الأرض.

 

یستحضر هذا الکلام نزاعاً أثاره الشیخ الرئیس فی کتابه الشفاء حول الوجود الطبیعی الکلی فی الظرف الخارجی٬ فالإشراقیون لا یؤمنون بالوجود الطبیعی الکلی فی الخارج٬ بینما یعتقد به المشاؤون. و السبب فی ذلک یعود کذلک إلى التفریق أو الخلط بین الحیثیتین «بشرط لا» و  «لا بشرط». فعلى الرغم من أنّه (ابن سینا) یناقش بصورة متقنة و استدلالیة هذا الموضوع٬ لکنّه أحیاناً یخرج عن الحدود المألوفة فی الحوار و النقاش٬ مثلاً فی بدایة ردّه على المشکّکین فی الوجود الطبیعی الکلی فی الخارج و دحض شبهاتهم یقول: على الرغم من أنّه تشکیک سخیف و واهٍ (یندر أن نجد عبارات للشیخ بهذا المستوى) و لکن نظراً إلى أنّ هذه الشبهات مطروحة من قبل أشخاص تمسّحوا بالفلسفة لا أنّهم فلاسفة و تشرّبوا المباحث الفلسفیة، کأن تمسح لقمة الخبز باللبن و تأکلها٬ فی هذه الحالة تکون لقمة الخبز ممسوحة باللبن لا أنّها تشرّبت اللبن و هضمته. إذن٬ فهو یقول على الرغم من أنّ هذه الشبهة سخیفة و واهیة٬ و لکن لا مناص من التدخّل فی النقاش لرفعها لأنّها مطروحة من قبل أشخاص من هذا القبیل٬ و ربما احتُسبت على الفلسفة و  ترسّخت فی النفوس. و فی الختام یقول٬ من أجل رفع هذه الشبهة لا بدّ أن تفهم الفرق بین بشرط لا و لا بشرط. فنحن نقبل بالکلی الطبیعی فی الخارج و نؤیّد أن معناه لیس أنّ الکلی الطبیعی بشرط لا موجود من جمیع اللواحق و العوارض و الخصوصیات فی الخارج٬ لا هذا لیس صحیحاً٬ و إنّما المقصود أنّ طبیعة لا بشرط موجودة فی الخارج٬ و الـ لا بشرط یجتمع مع ألف شرط.

 

والحال٬ نقول بالنسبة للقضیة التی نحن بصدد مناقشتها: بادئ ذی بدء٬ الفیلسوف لا بشرط من کل نزعة أو انتماء؛ أی إنّه یقول لیس لدیّ حالیاً أیّ نزعة أو انتماء٬ و أبدأ البحث و النقاش بعد طرح کلّ الانتماءات و التعیّنات جانباً٬ و بعد انتهاء الحجاج قد نصل إلى نفس النتیجة التی تتفق مع وجهة نظر دین معیّن. لذا٬ فالذین لدیهم حساسیة إزاء الدین و الشریعة٬ لا ینبغی لهم هنا أن یتحسّسوا من هذا الموقف بلا مبرّر و یقولوا بأنّ الفیلسوف متجرّد من کلّ التزام بالدین. لأنّه فی الحقیقة لا توجد فلسفة بشرط لا من الدین.

 

لقد سمعت شخصیاً قولاً صریحاً من لسان بعض الناقدین المحترمین بأنّ الفلسفة معناها اللادینیة! و أنّ الفلاسفة هم الذین یصرّون و یؤکّدون على أنّنا لا نحمل أیّ التزام أو تعهّد إزاء الدین. و لو کان هؤلاء الأعزاء قد عرفوا الفرق بین بشرط لا و لا بشرط لتبیّن لهم أنّ التهمة التی یرمون الفلاسفة بها لا أساس لها من الصحة. إذن٬ بالاستناد إلى المقدمة الأولى فالفلسفة تعنی بحثاً حرّاً تماماً و مستنداً إلى العقلانیة المحضة.

 

أمّا فی المقدمة الثانیة فنقول إنّ للتعاطی و التواصل مقومات و عناصر. و أهم هذه المقومات اللغة المشترکة و التوافق اللسانی. إذا لم تجمع شخصان لغة مشترکة٬ یکون التواصل و التعاطی بینهما متعذراً. و التواصل على أیّ أساس و ما هو مداره ؟ کیف لشخصین لا یفهم أحدهما لغة الآخر أن یتواصلا؟ لو فرضنا أنّ الأول یتحدّث الفارسیة و الثانی یتحدّث الإنجلیزیة٬ فلا الأول یفهم مفردات الثانی و لا الثانی یفهم مفردات الأول. فی هذه الحالة٬ لن یکون هناک تواصل بین الطرفین٬ لأنّهما لا یفقهان لغة بعضهما البعض. إذن٬ اللغة المشترکة تعدّ إحدى أهم المقومات فی التواصل و التبادل الثقافی؛ کانت هذه المقدمة الثانیة.

 

أمّا فی المقدمة الثالثة٬ أودّ أن أعرض على حضراتکم ما یلی: تعتبر العقلانیة القاسم المشترک بین الناس٬ شرقیین کانوا أم غربیین٬ مسلمین أم غیر مسلمین٬ کفاراً أم مؤمنین٬ فسّاقاً أم ورعین٬ و هذه العقلانیة هی المظلة التی یستظلّ تحت خیمتها الجمیع٬ و کلّهم شرکاء فی هذا الخصوص٬ حتى و إن تباینوا فی درجات العقلانیة؛ کأن یکون أحدهم فی القمة و آخر فی القعر٬ و ثالث فی المراحل الوسطى للعقلانیة؛ و لکن٬ فی نفس الوقت٬ هناک مبدأ واحد ینصاع له الجمیع٬ و قاعدة موحدة یتفق علیها الجمیع و هی العقلانیة العامة.

 

والحال٬ فی ضوء هذه المقدمات الثلاث نقول: إذا کانت الفلسفة هی العلم الوحید الذی ینبنی على العقلانیة و الفکر دون أیّ انتماء و لا بشرط من أیّ تعیّن٬ و إذا کان التواصل متعذّراً إلّا بوجود لغة مشترکة٬ و إذا کانت اللغة المشترکة بین أفراد البشر کافة هی العقل و الفکر٬ فهل بالإمکان أن ننکر وجوب الفلسفة فی أجواء التواصل الثقافی٬ أو نجد بدیلاً لها؟

 

جوابنا على ذلک هو: إذا سلّمنا بالمقدمات المذکورة٬ فإنّ الجواب سیکون بالنفی القاطع٬ فالفلسفة ضروریة فی التواصل الثقافی و لا شیء یحلّ محلّها. و هنا قد یقول البعض٬ ألا یعنی هذا فقر الدین و الآیات و الروایات و حاجتها للفلسفة؟ ألا تربطون٬ فی هذه الحالة٬ الدین بالفلسفة؟ سیکون هذا هو معنى الکلام أعلاه بالتأکید٬ فی حال کانت للدین حقیقة مستقلة و ذاتیة.

 

جواباً على ذلک نقول: لیس معنى کلامنا أنّ الدین و الآیات و الروایات فقیرة٬ بل على العکس تماماً٬ نحن نعتقد أنّ الآیات و الروایات وضعت فی متناول البشریة مادة و مقدمة و نتیجة أصیلة و صافیة و نقیة. إنّنا نعتقد دونما شائبة أو شبهة و نقولها بملء أشداقنا أنّ الدین الإسلامی الحنیف و لا سیّما فی قراءته الشیعیة٬ لا یعتوره أیّ نقص فی هذه النواحی٬ و هذه المدرسة قد زوّدت الإنسانیة بتعالیم أصیلة و نقیة٬ و مواد صائبة و سلیمة دونما أیّ خلل أو عوار. و من ناحیة أخرى٬ نعتقد أنّ الدین یحثّ البشریة جمعاء على ضرورة توظیف الحواس و الفطرة و العقل – و کل هذه مواهب إلهیة – إلى جانب هذه المواد و الأشیاء٬ و تنظیمها و الاستنباط منها و قد أودع الله تعالى البشر طریقة استنباطها و تنظیمها٬ فلا مشکلة فی هذا الجانب.

 

یقول العلامة الطباطبائی فی تفسیره النفیس المیزان: ما انفک القرآن یحثّ العباد على التدبّر و التفکّر و التعقّل٬ لکنّه لم یذکر و لا مرة واحدة کیف نتعقّل أو نتفکّر٬ لأنّ الله تبارک و تعالى خلق فی وجود الإنسان طریقة التفکّر و الاستنتاج بید التکوین و لسان الفطرة. لذا٬ فلا حاجة أن یقول له أحد کیف یتفکّر أو یتعقّل. و یتابع العلامة کلامه قائلاً: إذا علم الإنسان أنّ کل «أ» هو «ب» و أنّ کل «ب» هو «ج»، فإنّه سوف ینتقل بشکل طبیعی و فطری من المقدمة الأولى إلى المقدمة الثانیة و هی أنّ کل «أ» هو «ج». و لا بأس هنا أن نقول بأنّ أحد رموز المدرسة التفکیکیة کان قد أکّد بأنّنا أهل القرآن لا حاجة بنا إلى المنطق الأرسطی و الیونانی لکی نفکر. لأنّ القرآن یتضمّن منطقاً خاصاً به فی التفکیر٬ و بالتالی لا یحتاج لهذه الأمور.

 

ما أرید قوله هنا أنّ هذا الکلام لا یعدو عن کونه ادّعاءً جمیلاً٬ و لکن ألا یحقّ لنا أن نتساءل: ما هو هذا المنطق الخاص الذی تفرّد به القرآن و لا یوجد فی مکان آخر و ما هی طبیعته؟ نرجو أن تبیّن لنا ذلک حتى نستفید منکم!

 

لیس بالادعاءات المحضة تُحلّ المشاکل. هل بإمکانک أن تطعن فی المعادلة التالیة التی تقول إذا عرفنا أنّ کل «أ» یساوی «ب» و کل «ب» یساوی «ج»، إذن٬ کل «أ» یساوی «ج»؟ هل تحسب هذه الطریقة مناقضة لطریقة القرآن٬ و علیه یجب إیجاد بدیل لها؟ أم إنّ تغییر هذه المعادلة و هذه الطریقة أمر محال. نعم٬ قد تقع بعض المغالطات٬ و عندما نتابع القضیة یتبیّن لنا أنّ السبب هو عدم مراعاة شروط الاستنتاج و الاستدلال٬ و أنّ الصغرى لیست صغرى٬ أو الکبرى لیست کبرى٬ أو الحد الأوسط لیس کذلک٬ و ثمّة مغالطات وقعت و لا بدّ من الکشف عنها؛ أما إذا عرفنا حقاً و دون أیّ مواربة أنّ کل «أ» یساوی «ب» و  کذلک کل «ب» یساوی «ج»، لا بدّ حینئذ أن نقبل دون شک أنّ کل «أ» یساوی «ج»، فهذه الطریقة لا تقبل النقاش٬ لأنّ الله تعالى أودعها ذواتنا و فِطَرنا و وجودنا٬ و قام المناطقة بإعدادها و تنظیمها على شکل علم و وضعوها فی متناول البشر.

 

جاء فی المنقولات أنّ ملا قطب قام بتدریس ولده دورة فی علم المنطق٬ و بعد الانتهاء منها قال له اذهب إلى السوق لتر ما مدى استعمال الناس لهذا المنطق فی معاملاتهم الیومیة، فذهب الولد کما طلب منه والده٬ ثم عاد لیقول: الناس منهمکون بشؤونهم الیومیة و لا حاجة بهم لما تعلّمناه. فقال قطب لولده: یبدو أنّک لم تتعلم المنطق بعد. فعاد من جدید لیدرّسه المنطق للمرة الثانیة٬ ثم بعد ذلک قال له: اذهب الآن و انظر ماذا یفعل الناس. فذهب ولده للمرة الثانیة إلى السوق٬ لکنّه عندما عاد هذه المرة قال: یتداول الناس کلامنا هذا تلقائیاً دون أن یتعلّموا المصطلحات. فمثلاً ذهبت سیدة إلى البزّاز و سألته إن کان لدیه أقمشة جیدة؟ فأجابها البزّاز: و کیف تکون غیر جیدة و هی من إنتاج المصنع الفلانی للأنسجة. فردّت علیه السیدة بالقول: إذا کان الأمر کذلک٬ هلا بعتنی قطعة من عشرة أمتار. هنا نلاحظ تبلور استنتاج منطقی بصورة فطریة و تلقائیة. و کأنّه عندما قیل أنّ الأقمشة من إنتاج المصنع الفلانی٬ و أنّ کل إنتاج المصنع من الأقمشة جید٬ إذن٬ الأقمشة الموجودة جیدة. هذا فی حدّ ذاته عبارة عن قیاس منطقی یبرهن على جودة القماش. و بعد ذلک کأنّه قیل کل قماش جید یستأهل أن یُشترى. و علیه یجب شراء هذا القماش. و هذا قیاس ثانٍ و استنتاج آخر.

 

یتّضح لنا أنّ هذا المنطق یعتمل فی نفوسنا بصورة تلقائیة و دون استخدام المصطلحات المنطقیة٬ و أنّ المنطق و العقلانیة و توظیف العقل عبارة عن مسألة بشریة عامة یعتدّ بها فی أنحاء العالم الإنسانی٬ و نرید بفضل هذه الموهبة الإلهیة و الفطریة أن نعرض نتاجات و تعالیم دیننا على العالم٬ و لا سبیل غیر هذا لتحقیق هدفنا. و إذا أردتم أن تستبدلوا المنطق و الفلسفة بشیء آخر٬ فإنّ هذا الشیء هو الفلسفة و المنطق حتماً٬ لکنّکم خلعتم علیهما مسمّیات أخرى سهواً٬ أو أنّ ذلک البدیل سیعجز عن الوفاء بالمهمة الموکلة إلیه. لأنّ میزة العقلانیة هی عدم التبعیة و الـ لا بشرط و هما أمران لهما بالغ الأثر فی تحقیق المقاصد المنشودة الخاصة بالفلسفة٬ ذلک أنّ سائر  الفنون و الاختصاصات أما أن تکون بشرط شیء أو بشرط لا٬ و کل منهما یعجز عن تحقیق الأهداف المرجوة. لذا أقولها بکل صراحة٬ بأنّ الفلسفة تلعب دوراً جوهریاً فی التواصل بین الثقافات٬ و لیس بمقدورنا التغاضی عن هذا الدور بسبب بعض الأفکار و التصوّرات الخاطئة.

 

 

 

 

المصدر: مهر

 

 

 

۸۷۹

ارسال نظر


برای نظر دادن ابتدا باید به سیستم وارد شوید. برای ورود به سیستم اینجا کلیک کنید.

همدان - بنای آرامگاه بوعلی‌سینا - ساختمان اداری بنیاد بوعلی‌سینا

 ۹۸۸۱۳۸۲۶۳۲۵۰+ -  ۹۸۸۱۳۸۲۷۵۰۶۲+

info@buali.ir

برای دریافت پیامک‌های بهداشتی در زمینه طب سینوی، کلمه طب را به شماره ۳۰۰۰۱۸۱۹ ارسال کنید